منتدى جمعية أساروف للأنشطة الثقافية والعلمية
اعضاء جمعية أساروف يرحبون بك اجمل ترحيب ويتمنون لك زيارة ممتعة و يمكنك التسجيل للحصول على مزايا أكثر.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى جمعية أساروف للأنشطة الثقافية والعلمية
اعضاء جمعية أساروف يرحبون بك اجمل ترحيب ويتمنون لك زيارة ممتعة و يمكنك التسجيل للحصول على مزايا أكثر.
منتدى جمعية أساروف للأنشطة الثقافية والعلمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» ماهو تأثير التكنولوجيا على الطفل
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالجمعة فبراير 17, 2017 5:55 pm من طرف دجيدار احمد حسن

» محمد أحمد محجوب في روائعه
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالجمعة أكتوبر 07, 2016 11:02 pm من طرف دجيدار احمد حسن

» امراض الجو
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالأحد يوليو 10, 2016 8:08 pm من طرف تاج غاون

» الفتاة المراهقة.. ودور ضروري للأسرة
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالأحد يونيو 26, 2016 11:27 pm من طرف سعيد التارقي

» بدر الكبرى
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالخميس يونيو 23, 2016 12:48 am من طرف دجيدار احمد حسن

» وان تصوموا خيرا لكم
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالجمعة يونيو 17, 2016 11:59 pm من طرف دجيدار احمد حسن

» قوة التغيير بين العلم والقرآن
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالثلاثاء مايو 10, 2016 3:39 pm من طرف سعيد التارقي

» من أبرز معجزاته صلى الله عليه وسلم
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالسبت مايو 07, 2016 8:23 pm من طرف مدير المنتدى

» سفك الدماء الزكية
لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Emptyالسبت أبريل 09, 2016 9:55 pm من طرف دجيدار احمد حسن

التعريف بالجمعية

الأربعاء أكتوبر 05, 2011 8:02 pm من طرف مدير المنتدى

التعريف بالجمعية

تأسست الجمعية من عام 2006 وكانت الفكرة قد إنطلقت من قبل رئيسها الذي كان له رؤية بعيدة المدى لمختلف الأنشطة الثقافية والعلمية في مدينة جانت وولاية إيليزي ككل إذ رئ أن لابد من خروج جمعية تكسر جميع الأنشطة …

تعاليق: 1

رسالة الجمعية

السبت أكتوبر 08, 2011 12:29 am من طرف مدير المنتدى

مما لابد منه حتى يصبح العمل متقنا وله إستمرارية فإنه لاشك من وضع رسالة واضحة محددة كما يقول علماء التنمية البشرية ،وبدورها لم تغفل الجمعية بجعل رسالة لها وذلك من خلال:

ترقية العمل الجمعوي بشكل إبداعي وأصيل

روئ …

تعاليق: 0

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية

تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى جمعية أساروف للأنشطة الثقافية والعلمية على موقع حفض الصفحات

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم

مايو 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
   1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031 

اليومية اليومية


لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Empty لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف

مُساهمة من طرف دجيدار احمد حسن السبت يناير 11, 2014 6:02 pm

الكتاب : البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي المؤلف : الدكتور محمود أحمد الزين
الكتاب : البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي
المؤلف : الدكتور محمود أحمد الزين
الطبعة الأولى
1426هـ /2005م
البيان النبوي
عن فضل الاحتفال بمولد النبي
صلى الله عليه وآله وسلم
بقلم
الدكتور محمود أحمد الزين
الطبعة الأولى
1426هـ /2005م
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
الافتتاحية
نستفتح بالذي هو خير، وحمداً لله ، وصلاةً وسلاماً على رسوله ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد :
فنقدم ضمن سلسلة الرسائل رسالة “البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم” ومقصودها إيضاح الأدلة التي اعتمد عليها أئمة المحدثين والفقهاء، الذين استحبوا هذا الاحتفال، مع دفع الشبهات عنها، ومع التأكيد على أن من يبدعهم يخالف السنة، التي بينت أن المجتهد مأجور وإن أخطأ، والله لا يأجر المبتدع، وكل ما ثبت بأدلة الشرع فهو حسن، وهو خير، وليس ببدعة؛ لأن الله تعالى قال: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
________________________________________
مقدمة
هل يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين حكم الاحتفال بمولده، ثم يقع حوله هذا الخلاف الكبير بين أن يكون سنة مستحبة وأن يكون بدعة ضلالة، مع أن كل ضلالة في النار؟!
لا، هذا غير ممكن إلا إذا تركنا قواعد ديننا في النظر إلى المسائل الاجتهادية وفي حكم الاختلاف فيها، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر).
وهذا صريح في أن المخطئ غير مبتدع، ولا ضال؛ لأن الله لا يأجر على البدعة، بل (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
فالذي يضلل مخالفه إما أنه يغفل عن هذا الميزان، وإما أنه يتجاهله لغاية في نفسه ضد مخالفه، وإما أنه يزعم أن هذه المسألة وأمثالها ليست مسائل اجتهادية، بل هي من البينات التي يضل الناس بالإعراض عنها أو يعاندونها.
وأياً ما كان الأمر فالمولد لا يمكن أن يدعي أحد على مستحبيه أنهم عاندوا البينات؛ لأنهم أئمة ثقات، كالحافظ ابن حجر والسيوطي رحمهما الله، ولكن يزعم منكر الاستحباب أنهم أخطؤوا، فلا يجوز اتباعهم، فيقال له حينئذٍ: أأخطؤوا في البينات التي لا تحتمل الخطأ أم في الاجتهاديات؟ إن كانت الأولى فهو عناد وقد قال الله تعالى عمن يفعل ذلك: { وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران:105]، فهل يليق بهم هذا؟ وإن كانت الثانية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فله أجر) والله لا يأجر على البدعة، ولا يحل لك أن تبدعه وتضلله، وإن كنت تراه مخطئاً، بل يمكن أن تكون أنت المخطئ، وقولك إن المولد بدعة لا يصح، إلا إذا عنيت أنه كذلك من حيث وجهة نظرك، أو وجهة نظر العلماء الذين تتبعهم، فأنت لو عملت مولداً تكون مبتدعاً ضالاً؛ لأنك عملت أمراً تراه ـ حسب فهمك للأدلة ـ بدعة ضلالة، أما مخالفك فلا، كما لو أن الإمام أحمد بن حنبل أو من يتبعه قال: “اللهم إني أسألك بنبيك أن تغفر لي” فإنه يكون عاملاً بأمر يراه مستحباً، فهو مأجور أجرين إن أصاب، مأجور أجراً واحداً ـ لو افترضناه مخطئاً ـ بخلاف ما لو قال ذلك ابن تيمية أو من يتبعه، فإنه يكون عاملاً بأمر يراه هو بدعة ضلالة، فيكون عليه إثم ذلك وعقابه، ومثل هذا يقال في كل المسائل الاجتهادية، التي الخلاف فيها دائر بين الاستحباب والتحريم، وليس ضرورياً في مسائل الاجتهاد أن يقتنع المجتهد بأدلة مخالفيه، ولكن من الضروري أن يقتنع الفريقان بأن كل منهما يمكن أن يخطئ كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لبعض قادة جيوشه: “فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا” وهذا تصريح بأن المجتهد لا يمكن أن يقطع بأنه على صواب وأن مخالفيه على خطأ”.
________________________________________
والاحتفال بالمولد يرى الحافظ ابن حجر وموافقوه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبه على فضيلته بطريق الاستدلال الأولوي في حديث صوم عاشوراء، حيث ثبتت به مشروعية صوم الذكرى السنوية شكراً لله على نعمة نجاة موسى عليه الصلاة والسلام، قال ابن حجر: فالأولى من ذلك بالمشروعية صيام يوم المولد شكراً لله على إنعامه بإيجاد نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يقول: إن الحديث فيه بيان أن المقصود من الصوم الشكر، فكل عمل يحصل به الشكر فهو مشروع؛ لأن الشكر هو علة الحكم وسببه، فكل عبادة في ذلك مثل الصوم في الحكم باتفاق العلماء، كأنه منصوص عليها عند بعضهم، أو هي مقيسة عليه عند الآخرين، أما غير العبادة من المباحات، التي تعبر عن الفرح فالأصل فيها الإباحة، ولا دليل على منعها.
ويرى ابن تيمية: أن السلف لم يعملوا الاحتفال بالمولد، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، فهو بدعة، ويجيب الإمام السيوطي: بأن السلف لم ينقل عنهم فيه قول بمنع ولا مشروعية، فهم ساكتون، والحديث دليل إثبات، وهو مقدم إجماعاً على السكوت وعدم النقل المسمى بالاستصحاب.
والكلام في المسألة ليس بهذا الإيجاز الشديد، إنما هذا إجمال يأتي تفصيله في هذه الرسالة ـ إن شاء الله تعالى ـ بنقل كلام الفريقين وحججهما، ومناقشتها دون تطويل، وقد جعلت المسألة في فصلين: أحدهما: في بيان معنى البدعة، وتعلقه بالمسألة، وثانيهما: في بيان مسألة المولد، والحوار فيها، وما توفيقي إلا بالله، ولكل امرئ ما نوى. { فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يهتدي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } [يونس:108]، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة:7ـ8].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
________________________________________
الفصل الأول : في بيان معنى البدعة
الاحتفال بالمولد النبوي سنة أم بدعة ؟
إن الإجابة السديدة عن هذا تفرض علينا البدء ببيان معنى البدعة، ثم النظر في انطباق التعريف على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وأحب أن أذكر بأنه ليس في تعريف البدعة خلاف حقيقي، كما يأتي في عرض الأقوال.
نوعا البدعة عند الإمام الشافعي:
ومن أقدم ما جاء في تعريفها قول الشافعي ـ رضي الله عنه ـ فيما رواه البيهقي في مناقب الشافعي (1/469): “المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير، لاخلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام رمضان : (نعمت البدعة هذه) يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى”.
فالشافعي رضي الله عنه يبين ما يعنيه سيدنا عمر بهذه الكلمة، فيشرح أولاً ما يعنيه بلفظ البدعة وهو: “أنها محدثة لم تكن” وهذا معنى عام للبدعة، يشمل كل شيء لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحدث بعده، سواء كان له دليل من الكتاب والسنة، أو لم يكن ـ وهذا أقرب إلى المعنى اللغوي للبدعة ـ فلا بد من تقسيمه إلى قسمين:
أحدهما: ما أحدث وهو يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة، بسبب مخالفتها لتلك الأدلة الشرعية.
وثانيهما: ما أحدث من الخير لاخلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة؛ لأنها خير في ميزان الشرع، وإذا كانت خيراً في ميزان الشرع فهي حسنة، ولأنها لم تخالف أدلته.
________________________________________
ثم يشرح الشافعي سبب مدح سيدنا عمر واستحسانه لهذا العمل مع أنه سماه بدعة، فقال: “وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى” من الكتاب والسنة والأثر والإجماع، أي لا مخالفة فيها لشيء من ذلك. وقول الشافعي رحمه الله: “ما أحدث من الخير لاخلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة” مبني على قول عمررضي الله عنه وموافقة أبي بكر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما له في أن جمع القرآن ـ وإن لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ مشروع؛ لأنه خير، حيث قال عمر فيما رواه البخاري عن زيد بن ثابت برقم (4402): “إني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري” فأبو بكر رضي الله عنه في بادئ الأمر يحتج بعدم فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعمر يحتج بأنه وإن كان كذلك فكونه “خيراً” يقتضي أن يكون مشروعاً، ثم وافق أبو بكر على أنه مشروع بدليل أنه خير، وكرر أبو بكر رضي الله عنه جواب عمر حين قال له زيد ـ في هذه الرواية نفسها ـ: “كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقال أبو بكر: هو والله خير”، فهذا الجواب من الخليفتين الراشدين هو الجواب لكل من يستنكر اليوم ما أحدث من الخيرات بقوله: (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة)؛ لأن الخير مأمور به في نص كتاب الله، موعود عليه بالفلاح: { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفلِحُون } [الحج:77]، ومأمور بالدعوة إليه { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخيرِ} [آل عمران:104]، فالبدعة غير المذمومة ـ كما يظهر من كلام الشافعي رضي الله عنه ـ هي “كل خير لا يخالف أدلة الشرع”.
________________________________________
بيان أنه لا خلاف في الحقيقة على تعريف البدعة:
وهذا لا يختلف مع قول الذين يقولون: لا يوجد في الشرع بدعة حسنة؛ إذ المقصود بذلك عندهم: أن العمل الذي يخالف أدلة الشرع لا يمكن أن يستحسن شرعاً؛ لأن ذلك تناقض، وهذا ما صرح به ابن تيمية وليس المراد من النقل عنه تقديمه على غيره، إنما المراد بنقل كلامه ـ وهو ممن يميل إلى أن عمل المولد بدعة ـ بيان أن كلامه يقتضي ألا يكون الذين خالفوه في المولد مبتدعين حسب القواعد التي ذكرها هو إذ قال في الفتاوى (10/370): “المحافظة على عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كل بدعة ضلالة) متعين، وما سمي بدعة وثبت حسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم: إما أن يقال: ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة، كما قال عمر رضي الله عنه: (نعمت البدعة هذه) وإما أن يقال: هذا عام خصت منه هذه الصورة لمعارض راجح، كما يبقى فيما عداها على مقتضى العموم، كسائر عمومات الكتاب والسنة”.
________________________________________
وهذا صريح في أن المعارض الراجح خصص عموم “كل بدعة ضلالة” وجعل الصورة المستثناة ليست ضلالة، ولا داخلة في هذا العموم، فالمراد بالمحافظة على العموم هنا ما صرح به في قوله: “يبقى فيما عداها على مقتضى العموم” أي ما عدا المسائل التي قام على تخصيصها دليل شرعي خاص راجح على هذا العموم، أي صار الحديث مخصوصاً؛ ولهذا قال: إن من جعل الحديث باقياً على عمومه، ومن جعله مخصوصاً يرجعان إلى مآل واحد، وذلك في الفتاوى (27/152): “البدعة الحسنة ـ عند من يقسم البدع إلى حسنة وسيئة ـ لابد أن يستحبها أحد من أهل العلم الذين يقتدى بهم، ويقوم دليل شرعي على استحبابها، وكذلك من يقول: البدعة الشرعية كلها مذمومة… فالبدعة عند هؤلاء: ما لم يقم دليل شرعي على استحبابه(1) ، ومآل القولين واحد”؛ لأن الأول يجعل البدعة هي ما أُحدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحينئذ لابد أن يقسم إلى ما وافق الدليل وما خالفه، والثاني يجعل البدعة هي مالا يوافق الدليل، وهذا لا ينقسم إلى قسمين، بل هو الثاني نفسه. أما من يزعم أن كل ما حدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعهد السلف بدعة دون تقسيم، فهذا يخالف القولين معاً.
الأدلة التي تنفي الابتداع عما يستثنى:
والدليل الشرعي الذي يثبت به حسن ما يسمى في اللغة بدعة، أو يخص به عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل بدعة ضلالة) قد يكون نصاً، وقد يكون استنباطاً، كما بين ذلك ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/587) فقال: “إما أن يقال: ما ثبت حسنه فليس من البدع… وإما أن يقال: ما ثبت حسنه فهو مخصوص من العموم… ثم المخصص هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً”.
__________
(1) وذلك لأن البدعة المنهي عنها إنما هي ما أحدث من العبادات بغير دليل، والعبادة إما واجبة أو مستحبة، أما غير العبادة فهي على عكس ذلك الأصل فيها الإباحة، ولا يحرم شيء منها ولا يكره إلا أن يأتي دليل عليه.
________________________________________
ومن الاستنباط أنه قد زاد سيدنا عثمان رضي الله عنه الأذان الأول يوم الجمعة، كما رواه البخاري برقم (870): عن السائب بن يزيد قال: “كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء”، وهو يعني أن الصحابة استنبطوا مشروعيته من القرآن أو السنة استنباطاً ـ إذ لا يعلم فيه نص خاص به، لكن لا بد من أن يكونوا قد اعتمدوا على نص، وإن لم يذكروا لنا النص الذي استنبطوا منه؛ لأن الإجماع لا بد له من مستند(1) ـ ثم أجمعوا على ذلك واستقر العمل عليه، “وما علم بالأدلة الشرعية” ـ المذكورة وهي الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً ـ “فهو من الدين الذي شرعه الله حتى لو تنازع أولو الأمر(2) في بعض ذلك” كما يصرح به ابن تيمية في الفتاوى (4/107).

__________
(1) لأن الإجماع يتكون من مجموع أقوالهم، أو ما يدل على موافقتهم، وكل واحد منهم لابد أن يكون قوله مبنياً على دليل شرعي، فمسائل الدين لا مصدر لها إلا أدلته.
(2) المراد بأولي الأمر: أهل العلم، أو الأمراء الذين يعملون بعلم، فعلى التفسيرين يكون من الخلاف في فهم الأدلة.
________________________________________
الأدلة وأقوال الأئمة في أن خطأ الاجتهاد ليس بدعة:
وذلك أن اختلاف أهل العلم في الاجتهاد لا يجعل أحد الفريقين مبتدعاً ـ حتى المخطئ منهم ـ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)(1) . والله لا يأجر على البدعة، بل البدعة تجعل صاحبها ضالاً وتجعله في النار (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)(2). وفي مسودة آل تيمية(3) عن الإمام أحمد: “قال: الحق عند الله واحد، وعلى الرجل أن يجتهد، ولا يقول لمخالفه: إنه مخطئ”. وفي حلية الأولياء(4) عن الإمام مالك: “شاورني الرشيد أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه؟ فقلت: لا تفعل، فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكل مصيب”.
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المجتهد لا يستطيع أن يجزم بأنه على صواب في معرفة مراد الله تعالى، فقال فيما رواه مسلم برقم (1731)، وهو من وصاياه لبعض قادة الجيوش، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟) ومن لم يستطع أن يجزم بأنه على الصواب كيف يجزم بأن مخالفه على الخطأ؟!
__________
(1) البخاري، برقم (6919)، ومسلم، برقم (1716).
(2) النسائي برقم (1576) ومسلم، برقم (2002)، بدون لفظ (وكل ضلالة في النار).
(3) ص (498) لأن المجتهد لا يمكن أن يقطع لنفسه بأنه على الحق، كما صرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الآتي قريباً.
(4) حلية الأولياء (6/333).
________________________________________
وجاء في رسالة الإمام الشافعي عند التعليق على حديث الاجتهاد الذي سبق ذكره(1) أنه سئل فأجاب: “ما معنى صواب وخطأ؟ قلت: مثل معنى استقبال الكعبة… يتحراها من غابت عنه… فنفس التوجه يحتمل صواباً وخطأ… فقال: [يعني السائل]: أفرأيت الاجتهاد أيقال له: صواب على غير هذا المعنى؟ قلت: نعم على أنه إنما كلف فيما غاب عنه الاجتهاد، فإذا فعل فقد أصاب بالإتيان بما كلف، وهو صواب عنده على الظاهر، ولا يعلم الباطن إلا الله تعالى”.
ولذلك قال ابن تيمية(2) : “فهذه المسائل التي تنازع فيها السلف والأئمة، فكل واحد منهم أقر الآخر على اجتهاده… فمن ترجح عنده تقليد الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده تقليد مالك، ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر على من ترجح عنده تقليد الشافعي، ونحو ذلك”. وإذا كان الأمر كذلك، فإن المنكر على مخالفيه ـ إذا كانوا قد اعتمدوا على أدلة قال بها بعض الأئمة ـ فهو مخالف لهذا النهج متعد على مخالفيه.
__________
(1) الرسالة للإمام الشافعي ص (497).
(2) مجموع الفتاوى (20/292).
________________________________________
الفصل الثاني : الاحتفال بالمولد سنة أم بدعة ؟
وللإجابة عن المولد: أهو سنة أم بدعة؟ ينبغي أن يتحول السؤال إلى صياغة أخرى: هل قام دليل شرعي على استحبابه
فيكون سنة؟ أو لم يقم عليه دليل فيكون بدعة؟
وأدلة الشرع هي الكتاب والسنة القولية والعملية والإقرارية وما يستنبط منها، كما صرح به كل الأئمة، وسبق نقله عن ابن تيمية، وليس الدليل محصوراً في السنة الفعلية، كما يقول كثير من المتسرعين في التبديع: هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو بدعة، أو يقولون: لم يفعله السلف فهو بدعة.
وقد ذكر الإمام السيوطي في رسالته “حسن المقصد في الاحتفال بالمولد” جماعة من العلماء استحبوا الاحتفال بالمولد منهم: ابن دحية، وابن الجزري، وابن ناصر الدمشقي، ومنهم: الحافظ ابن حجر، وكتبوا في ذلك فتاوى، وأقاموا عليها الأدلة، وأيدهم هو على ذلك، وهم أئمة مقتدى بهم، فلا يكون من وافقهم اقتناعاً بأدلتهم مبتدعاً؛ لأنه قصد اتباع الدليل، وكذلك لا يكون مبتدعاً من اتبع فهمهم للدليل ممن لا قدرة علمية له على النظر في الأدلة؛ لأنه بأمر الله اتبعهم، إذ قال تعالى: { فاسْأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل:43] (1).
وفي كثرة هؤلاء الأئمة وجه من الترجيح للمقلد، فقد عقد ابن تيمية في المسودة(2) فصلاً في ترجيح المقلد أحد الأقوال لكثرة عدد قائليه من المفتين حالة الفتوى نقل فيه عن ابن هبيرة كلاماً طويلاً، ولم يعارضه، ومنه قوله: “إذا قصد في مواطن الخلاف توخي ما عليه الأكثر منهم، والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد منهم، فإنه قد أخذ بالحزم والأحوط والأولى، مع جواز أن يعمل بقول الواحد”، ثم ذكر أن الأخذ بقول هذا الواحد ينبغي ألا يكون عن هوى وعصبية.

__________
(1) يزعم بعض الناس أن معنى الآية: اسألوهم عن الأدلة لتنظروا فيها، وتفقهوها على الوجه الحق، وتعملوا بها، وليس معناها اسألوهم عما فهموا، وقلدوهم فيه، أي هم يزعمون أن الآية مخصوصة غير عامة، فيقال لهؤلاء الزاعمين: عن أي شيء يسألهم الذي يعرف الدليل، ولا يعرف كيف يفقهه، وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ورب حامل فقه ليس بفقيه”.
(2) ص (538).
________________________________________
القائل بأن المولد بدعة:
وابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/619) قال عن المحتفلين بالمولد: “والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه لو كان خيراً، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا”.
وقد ذكر السيوطي في رسالته السابقة(1) : أن الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي ـ المشهور بالفاكهاني ـ يرى الاحتفال بالمولد بدعة، وذكر أدلته تفصيلاً، وناقشه ورد عليه وأدلته المردود عليها لا تزيد على ما ذكر ابن تيمية عند التأمل الصحيح.
خلاصة الرد على مانع الاحتفال:
وخلاصة رد السيوطي: هي أن عدم فعل السلف إنما هو سكوت ، ولم يرد عنهم المنع من الاحتفال، والسكوت يحتج به عند عدم الدليل، فإذا وجد دليل إثبات ـ لاسيما الدليل القولي كالذي يأتي ذكره عن ابن حجرـ كان مقدماً على السكوت، فوجوده يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سبقنا إلى القول بمشروعيته بواسطة ذلك الدليل، وذلك أهم ـ عند الاستدلال ـ من أن يكون السلف سبقونا إليه. أم ينبغي أن يقدم السكوت منهم على دليل الإثبات المأخوذ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

__________
(1) حسن المقصد في عمل المولد) ضمن كتاب (الحاوي للفتاوي 1/294)، ط: المكتبة العصرية.
________________________________________
توضيح حول الاستدلال بعدم فعل السلف:
وقد ذكر ابن تيمية أن عدم فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتج به عند وجود دليل شرعي آخر، فقد قال عند كلامه عن دخول الحمام في الفتاوى (21/313): (ليس لأحد أن يحتج على كراهة دخولها، أو عدم استحبابه بكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخلها… إذ عدم الفعل إنما هو عدم دليل واحد من الأدلة الشرعية، وهو أضعف من القول باتفاق العلماء، وسائر الأدلة ـ من أقواله كأمره ونهيه وإذنه، ومن قول الله تعالى ـ هي أقوى وأكبر… فنفي الحكم بالاستحباب لانتفاء دليل معين من غير تأمل باقي الأدلة خطأ عظيم).
فيقال هنا لابن تيمية وموافقيه: لا يكفي عدم فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمولد في الاستدلال على عدم مشروعيته، بل لابد من تأمل باقي الأدلة، ولا سيما القولية نصاً واستنباطاً، وإذا كان انتفاء فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود قوله لا ينفي المشروعية، فانتفاء فعل السلف ـ مع وجود قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ أولى بأن لا ينفي المشروعية؛ لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم حجة بنفسه لا يتوقف على غيره، وقد تأمل العلماء الآخرون باقي الأدلة، واستدلوا ببعضها، كما يأتي بيانه ـ إن شاء الله تعالى ـ قريباً.
________________________________________
وأما قول ابن تيمية: (إن السلف لم يفعلوه مع قيام المقتضي وعدم المانع) فإن هذا الاعتراض لا يصح إلا إذا كان القائلون بمشروعية المولد يجعلونه واجباً، أما الاستحباب فلا يصح الاعتراض عليه بهذا، فسيدنا عمر رضي الله عنه قال: إن الاجتماع في التراويح على قارئ واحد أمثل ـ أي أفضل ـ وترك ذلك سنتين من خلافته، ولم يطلبه منه أحد من الصحابة، ولم يقولوا: تركه أبو بكر وهو أفضل منك؛ لأن الأفضلية تقتضي الفعل ولا توجبه، وإلا لما كانت أفضلية، بل تكون إلزاماً، وكذلك استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس مع وجود أكثر العشرة المبشرين بالجنة، وهم أفضل، ومثل ذلك أن أهل المدينة في ولاية أبان بن عثمان ـ بين سنتي (76 و 83) ـ قد صلوا التراويح ستاً وثلاثين(1)، مع وجود صغار الصحابة وكبار التابعين، ولم ينكروا ذلك ، ولم يقولوا لهم: إن الخلفاء الراشدين تركوا هذه الزيادة، مع وجود المقتضي وهو التقرب إلى الله، ومع عدم المانع؛ وذلك لأن الترك ـ إذا وجد دليل قولي للاستحباب ـ يدل على عدم الوجوب، ولا يدل على وجوب الترك، سواء كان الذي أحدثوه فاضلاً أو مفضولاً، فالمفضول مشروع، يقابله مشروع أفضل منه وكلاهما حق وهدى، ومثله أيضاً أن الصحابة لم يبنوا مثلاً مستشفى للفقراء وقفاً لله تعالى، مع قيام المقتضي وعدم المانع، وقد فعل ذلك الملوك المتأخرون عنهم، فأقرهم أهل العلم، وقالوا: إنه من أفضل العمل؛ لدخوله ضمن عموم الصدقة الجارية في أقواله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يوجد مثله في أفعاله، فإن مقتضي وجود المستشفى للفقراء هو وجود المرضى والجرحى منهم، والمال المحتاج إليه كان موجوداً، لاسيما بعد الفتوحات العظمى، وذوو الخبرة موجودون، وهم الذين كانوا يعالجون الجرحى قبل وجود المستشفيات، ولا مانع من إقامة المستشفى، وكذا
__________
(1) مصنف ابن شيبة برقم (7689)، والمدونة (1/222ـ223) ط دار صادر، ومختصر المزني الملحق بالأم ص (26) تصوير دار المعرفة.
________________________________________
يقال في كل المستحبات: إن عدم فعلهم لها يدل على عدم الوجوب فقط، ولا يدل على عدم المشروعية، فإذا وجد دليل الاستحباب من أقواله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أي دليل آخر، فيستحب العمل به، ومنع العمل به استناداً إلى عدم فعلهم مخالف للاستدلال الشرعي من جهتين:
الأولى: أن عدم فعل الصحابة هو انتفاء دليل معين، لا يجوز الاعتماد عليه مع وجود دليل آخر هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو دليل إثبات، وعدم الدليل هو المسمى في أصول الفقه دليل الاستصحاب، وهو كما قال ابن تيمية في الفتاوى (23/15): “التمسك بمجرد استصحاب حال العدم أضعف الأدلة مطلقاً، وأدنى دليل يرجح عليه… فهذا باتفاق الناس أضعف الأدلة… وما دل على الإثبات من أنواع الأدلة فهو راجح على مجرد استصحاب الحال”.
________________________________________
الثانية: أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم دليل أصلي، أما فعل الصحابة ـ وكذا تركهم بالأولى ـ فهو ليس دليلاً أصلياً، وإنما يستدل به على تقدير أنه معتمد على دليل قوله أو فعله صلى الله عليه وآله وسلم، فترك قوله صلى الله عليه وآله وسلم للأخذ بقولهم معاكس لمنهج الاستدلال، كأنك تقول: أترك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه عارض قول الصحابة أو فعلهم أو تركهم، وحقيقة الأمر أنه لا تعارض أصلاً، فالتعارض لا يتصور بين دليل الإثبات ودليل العدم ـ فلا يقال مثلاً في مسألة ثبتت بالسنة دون القرآن: قد تعارض فيها القرآن والسنة، وكذا لا يقال تعارض الحديث الدال على فضيلة المولد مع عدم فعل الصحابة، بل يقال: وجد له دليل من السنة، ولم يوجد له دليل من فعل الصحابة، وهذا الدليل كاف في إثبات الفضيلة ـ وإنما يتصور التعارض بين إثباتين، كما لو فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً وفعل الصحابة خلافه، فيكون الترجيح من حيث الثبوت حينئذ لا بد منه، ولو كان عدم الفعل راجحاً لكان عدم فعله صلى الله عليه وآله وسلم دليلاً راجحاً على فعل الصحابة، ولم يكن فعلهم دليلاً حينئذٍ.
ولو كان عدم وجود قول للسلف في المسألة دليلاً على عدم المشروعية لكان لا يحق للتابعين أن يتكلموا في مسألة سكت عنها الصحابة، وكان لا يحق لأتباع التابعين أن يتكلموا في مسألة سكت عنها التابعون، وهذا مخالف لما نص عليه الإمام أحمد، ففي مسودة آل تيمية ص (336): “قال أبو داود: قال أحمد بن حنبل:… فإذا وجدت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم أعدل إلى غيره، فإذا لم أجد… فعن الخلفاء الأربعة… فإذا لم أجد فعن أصحابه الأكابر فالأكابر… فإذا لم أجد فعن التابعين وتابع التابعين”، ولو كان عدم الرواية حجة على عدم المشروعية لكان ينبغي للتابعين أن يقولوا لو كان خيراً لسبقنا إليه الصحابة، وكان ينبغي لأتباعهم أن يقولوا: لو كان خير لسبقنا إليه التابعون.
________________________________________
وما قاله الإمام أحمد مستند إلى ما رواه النسائي وجوّده عن ابن مسعود برقم (5397): (فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا قضى به الصالحون، فليجتهد رأيه…) ولو كان عدم الرواية دليلاً على عدم المشروعية لما صح أن يقول: (فليجتهد رأيه)، بل يقول: لو كان خيراً لسبقه إليه الصالحون قبله، فلا يجوز له أن يجتهد.
ومن قال: لو كان فعل المولد خيراً لسبقونا إليه يقال له: قد سبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدلالة على مشروعيته بطريق الأولى، وإنكار الاستدلال بهذا الطريق خروج عن منهج الكتاب والسنة والسلف الصالح، كما يأتي في كلام ابن تيمية قريباً ـ إن شاء الله تعالى ـ وليس واجباً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغنا بطريق العمل في كل ما هو مشروع، بل السنة القولية دليل مستقل، لا يتوقف العمل به على ثبوت فعله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا فعل غيره؛ لأن القول أقوى من الفعل باتفاق، كما تقدم عن ابن تيمية ص (39) هنا.
________________________________________
دليل مُسْتَحِب عمل المولد:
وقد ذكر السيوطي: أن الحافظ ابن حجر استدل ـ على مشروعية عمل المولد، وتوقيت بعض الأعمال الصالحة وتخصيصها بيوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم من كل عام ـ بحديث قولي، هو حديث صوم عاشوراء في البخاري برقم (3216) ومسلم برقم (1130 مكرر) واللفظ له: “أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود صياماً، يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه” وفي رواية لهما “فنحن نصومه تعظيماً له”(1) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم) فقال ـ كما في الحاوي ـ (1/302): “فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر يحصل بأنواع العبادة… وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم”.

__________
(1) في البخاري برقم (3727)، وفي مسلم برقم (1130).
________________________________________
توضيح استدلال ابن حجر:
وهذا استدلال منه ـ رحمه الله ـ بطريق الأولى، فإذا كانت نجاة موسى عليه السلام تستحق في مناسبتها السنوية شكرنا لله ـ عز وجل ـ فنجاة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يوم هجرته مثلاً أولى؛ لأن النعمة فيها أعظم، وكلما كانت النعمة أعظم كان شكرها أحق؛ ولذا قال الحافظ عن يوم المولد النبوي: “وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم”، فرسالته رحمة، كما قال الله تعالى: { وَمَاْ أَرْسَلْنَاْكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَاْلمَينَ } ، وذاته رحمة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أنا رحمة مهداة)(1) ، وكما قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فيهم } [الأنفال:33]، فمع أنهم كانوا كافرين، يتحدون نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وجود ذاته صلى الله عليه وآله وسلم بينهم دافعاً للعذاب عنهم.
قوة الاحتجاج بطريق الأولى:
والاحتجاج بطريق الأولى من أقوى الأدلة، وتركه مباعدة لمنهج القرآن والسنة، قال عنه ابن تيمية في الفتاوى (21/207): “ومن لم يلحظ المعاني من خطاب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يفهم تنبيه الخطاب وفحواه من أهل الظاهر… بل وكذلك قياس الأولى ـ وإن لم يدل عليه الخطاب، لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق ـ فإنكاره من بدع الظاهرية، التي لم يسبقهم بها أحد من السلف، فما زال السلف يحتجون بمثل هذا وهذا”.
وفي الفتاوى (12/349): “الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية قياس الأولى”.

__________
(1) المستدرك (1/35) وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي.
________________________________________
شبهة موافقة أهل الكتاب:
وإذا ثبت بالدليل الشرعي استحباب إحياء ذكرى المولد سنوياً، أو ذكرى الهجرة سنوياً، لم يمنع من ذلك أن فيه موافقة لليهود أو النصارى، فإن موافقة اليهود في صوم عاشوراء أقوى، ومع ذلك لم يتركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وموافقتهم إنما تمنع فيما ليس له دليل شرعي.
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بصوم تاسع المحرم ليخالفهم، فالجواب من وجهين:
أولهما: أنه لم يأمر به أمر إلزام، حتى يكون المقتصر على يوم عاشوراء آثماً، إنما التاسع زيادة فضيلة، فالموافقة حاصلة.
ثانيهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخالفهم، بل وافقهم في اليوم، لكن أضاف إليه يوماً آخر، واكتفى بهذا القدر من مخالفتهم، واحتفال المسلمين بيوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم فيه وجوه عدة من مخالفة اليهود في يوم عاشوراء بإضافة أعمالٍ غير الصوم، مأخوذة من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا فيه وجوه عدة من مخالفة النصارى في ميلاد نبيهم عليه الصلاة والسلام، فمع اختلاف الكيفية هناك مخالفتهم فيما يعملون من الشعارات الشركية، وشرب الخمور، وغير ذلك.
وخلاصة الأمر: أن أي عمل له دليل شرعي لا ينبغي تركه لأجل مخالفتهم، ومن تركه كان معترضاً على الأدلة.
أعمال المولد :
قال الحافظ ابن حجر في تمام كلامه السابق المنقول عن الحاوي (1/302): “وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى… من التلاوة، والإطعام، والصدقة، وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية… وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك، فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحاً، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه، وما كان محرماً أو مكروهاً فيمنع”. كذا قال الحافظ رحمه الله تعالى.
________________________________________
الدليل على أعمال الشكر الأخرى :
ولم يقيد الحافظ الشكر بالصوم، وإن كان المذكور في هذا الحديث وفي حديث صوم كل يوم اثنين(1) هو الصوم؛ وذلك لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما قال في فتح الباري (5/799): “يدل على أن الباعث على صيامه موافقتهم على السبب، وهو شكر الله تعالى على نجاة موسى عليه السلام”. وعلماء الأصول يقولون: إذا نص الشارع على حكم ، ونص على علته ـ أي على السبب المقصود من مشروعيته ـ فكل عمل يحصل به ذلك المقصود فهو مراد لله بنص الشرع، وفي مسودة آل تيمية (2/736): “الحكم المتعدي إلى الفرع بعلة منصوص عليها مراد بالنص”. فكل ما يحصل به الشكر مشروع بدلالة الحديث كأنه مذكور في الحديث نصاً(2).

__________
(1) “سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الاثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت (أو أنزل علي فيه)” كما في صحيح مسلم برقم (1162)، ومعناه أنه يوم أنعم الله فيه علينا بهاتين النعمتين اللتين كانتا فيه، فاستحق أن نصوم فيه.
(2) هذا مذهب الإمام أحمد وأصحابه كما في (شرح الكوكب المنير4/221)، وقال الشوكاني في (إرشاد الفحول 2/882): “واعلم أنه لا خلاف في الأخذ بالعلة إذا كانت منصوصة، وإنما اختلفوا هل الأخذ بها من باب القياس أم من العمل بالنص، فذهب إلى الأول الجمهور، وذهب إلى الثاني النافون للقياس”. ونفي القياس مشهور عن الظاهرية.
وقال الزركشي في (البحر المحيط4/199): “هل عم بالصيغة أو بالقياس؟ على قولين محكيين عن الشافعي، والصحيح أنه بالقياس” ونحوه في (تيسير التحرير 1/259) ومؤلفه حنفي.
________________________________________
عمل المولد صورة من مجالس شكر الله تعالى:
والاجتماع لشكر الله على هدايته سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عمل بها أصحابه، فأثنى عليهم أعظم الثناء، كما جاء في صحيح مسلم برقم (2701) عن معاوية رضي الله عنه، وفيه قوله: (وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل، فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)، فالاجتماع على حمد الله تعالى على نعمة الإسلام والتفضل به سنة، والاجتماع لشكر الله تعالى على نعمة إيجاد سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من جملة ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم دعانا إليه، وهو الصورة العملية لكتاب الله تعالى، كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها لمن سألها عن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم: (ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان القرآن)كما رواه مسلم برقم (746).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر بعض تفصيلات العبادة التي تؤدى شكراً في كلامه السابق “من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية”.
أما التلاوة شكراً فمأخوذة من قوله تعالى: { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } [البقرة:198]، والقرآن أفضل الذكر، مع أن الذكر يحصل بالتهليل والتسبيح والدعاء، وكل ما يسمى في الشرع ذكراً كالتكبير، قال الله تعالى: { و اشكروا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [البقرة:185].
والإطعام شكراً ذكر في قوله تعالى: { إِنَّا أعطيناك الكوثر (1) فَصَلِّ لرَبِّك و انْحَرْ } [الكوثر:1ـ2]، والنحر مراد منه أن يطعمه الفقراء، وإطعامهم صدقة، وباب الشكر بالصدقة واسع.
________________________________________
هل يحصل الشكر بعمل المباحات؟
وأما حصول الشكر بالمباحات ـ التي تعمل في المولد ـ فقد جاء ما يدل عليه في مسند الإمام أحمد برقم (22989) وبرقم (230011)(1) : “أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: (أوف بنذرك)”. قال الخطابي في معالم السنن(2) : “ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي تتعلق بها النذور، وأحسن حاله أن يكون من باب المباح، غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم… صار فعله كبعض القرب، التي هي من نوافل الطاعات؛ ولهذا أبيح واستحب في النكاح… ومما يشبه هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحسان لما استنشده وقال له: كأنما ينضح به وجوه القوم، وكذلك استنشاده عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك وغيرهما”(3)، وكذلك الفرح بمولده وبذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم، وضرب الدف في ذلك صار فعله كبعض القرب، مثلما كان إعلان الفرح بعودته سالماً كبعض القرب، حتى علق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله على النذر، وكان وفاء به بأمره صلى الله عليه وآله وسلم.
الفرح به صلى الله عليه وآله وسلم أمر إلهي:
على أن الفرح به صلى الله عليه وآله وسلم داخل تحت امتثال قوله تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ و بِرَحْمَتِهِ فبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } [يونس:58]، وهو صلى الله عليه وآله وسلم “رحمة” كما جاء في الحديث (إنما أنا رحمة مهداة).
__________
(1) والترمذي في سننه برقم (3690) وقال: “حسن غريب”، وابن حبان في صحيحه برقم (4386) وسنن أبي داود برقم (3312) ط: المكتبة العصرية.
(2) 4/382) ط: دار المعرفة، بيروت، تحقيق: محمد حامد الفقي.
(3) أما الشعر الذي عده الخطابي من المباحات التي صارت كبعض العبادات، فهو ما كان فيه أغراض شعرية أخرى.
________________________________________
وما ذكره الحافظ ابن حجر وغيره من أعمال المولد إنما هو مظهر لهذا الفرح، مع كونه مقصوداً به شكر الله تعالى على هذه النعمة العظمى،
فضائل مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
ثم إن إظهار السرور في المدائح النبوية أقوى وأظهر من ضرب الدف، وقد عده الحافظ ابن حجر في كلامه عن المولد قبل المباحات، وعطفه على أنواع العبادات، وقد ذكر في فتح الباري(1) (13/566): أن المدح “ربما كان مستحباً”، وسبقه إلى تفصيل ذلك النووي في شرح صحيح مسلم(2) فقال: “إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير، والازدياد فيه، والدوام عليه، أو الاقتداء به كان مستحباً” ولا ريب أن مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحصل به الحث على الاقتداء به وعلى حبه صلى الله عليه وآله وسلم؛ وجاءت روايات كثيرة أنه كان الصحابة يمدحون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشعر، كما روى البخاري برقم (1104) عن أبي هريرة مديح عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قوله:
وفينا رسول الله يتلو كتابه … إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا … به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه … إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وفي صحيح مسلم برقم (2490): عن عائشة قول حسان يرد على من هجا النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
هجوت محمد براً تقياً … رسول الله شيمته الوفاء
وفي صحيح مسلم برقم (2489) عنها أيضاً قول حسان يمدح بعض بني هاشم، ويرد على من هجا منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وإن سنام المجد من آل هاشم … بنو بنت مخزوم ووالدك العبد
وبرقم (2488) عن مسروق قول حسان في مدح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
حصان رزان ما تزن بريبة … وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
__________
(1) ط: دار أبي حيان.
(2) ط: دار المعرفة، تحقيق: خليل مأمون شيحا.
________________________________________
ثم إن في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم شكراً لله عز وجل على إرساله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرفاناً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجميل، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو داود(1) برقم (4814): (من أبلي بلاء فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره)، وفي سننه أيضاً برقم (4779) ورجاله رجال الصحيحين “أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله! ذهبت الأنصار بالأجر كله، قال: (لا، ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم)” والثناء عليهم هو ذكرهم بالخير، وهو مديح، وقد بين الحديث أن ذلك الثناء يجعلهم شركاء في الأجر هم والأنصار، الذين آووا ونصروا، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهو أجر عظيم غاية العظم، والأجر لا يكون إلا على طاعة لله.
وفي مدحه صلى الله عليه وآله وسلم شهادة له بما شهد الله له به من البلاغ وحسن الخلق، وكونه قدوة الخير، وفي ذلك أجر عظيم أيضاً.
ردٌ على منكري مدحه صلى الله عليه وآله وسلم:
وبهذا يعرف أن الذين يستنكرون مدحه صلى الله عليه وآله وسلم، ويستدلون بحديث “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم” البخاري برقم (3261) يعرف أنهم استدلوا بالحديث في غير موضعه، فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: “والإطراء المدح بالباطل”(2) ، وحتى لو كان الإطراء بمعنى المدح مطلقاً فإن تتمة الحديث توضحه وتقيد النهي بأن يكون عن المدح المجاوز للحد كما فعلت النصارى، فإنه لم يقل لا تطروني، ولكن قال: “لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم” .
__________
(1) ط: دار الفكر، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، ورمز السيوطي لصحته في الجامع الصغير.
(2) فتح الباري (8/327) ط: دار أبي حيان.
________________________________________
وفعل الصحابة في حضوره صلى الله عليه وآله وسلم، وإقراره لهم على مدحه، وحثه للمهاجرين على أن يثنوا على الأنصار يوضح حديث النهي عن الإطراء تمام الإيضاح، ويدفع كل الشبهات التي يتمسك بها الناهون عن مديحه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال الإمام الطبري في تفسيره (1/482): “معلوم أنه لا أحد يوصف بتعنيف مادح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بإكثار الضجاج واللجب في إطناب القيل بفضله”.
وأما الذين يقولون إنه صلى الله عليه وآله وسلم غني بمدح ربه له في القرآن عن كل مديح فهم مغالطون؛ لأن محبي مدحه لا يمدحونه لأنه محتاج إلى المدح، بل لينالوا بمدحه العمل بالفضائل التي تقدم ذكرها، فنعوذ بالله من التحايل على أدلة الشرع، وضرب بعضها ببعض، ونسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا حباً لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وآله وصحبه وورثته، وأن يملأها سروراً به وبمدحه صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنشاد الشعر في هذه المناسبة ـ وفيه ذكر شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو من باب التذكير بنعمة إيجاده وإرساله وجعله أسوة للمؤمنين، قال الله تعالى فيه: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:164]، وكان الذين ينشدون في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم يريدون ذلك التذكير، كما صرح في رواية البخاري برقم (5972) عن سلمة بن الأكوع قال: “خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فقال رجل من القوم: أي عامر لو أسمعتنا من هناتك، فنزل يحدو بهم يذكر: تالله لولا الله ما اهتدينا”، فقوله: “يحدوا بهم يذكر” نص على قصده من إنشاد ذلك الشعر، وقد روى البخاري تمام هذا الشعر في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (3960) وهو:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا… ولا تصدقنا ولا صلينا
________________________________________
فاغفر فداء لك ما أبقينا …وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا … إنا إذا صيح بنا أبينا
وبالصياح عولوا علينا
والتذكير معناه: الحث على الذكر بمعناه الواسع، وهو هنا بمعناه الخاص، وهو شكر الله عز وجل على هدايته وعلى إرساله سيد المرسلين إلى هذه الأمة؛ لأن هداية الله به كانت، وقد جعله الله واسطة الهداية، بل سماه هادياً فقال:
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى:52]، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من لم يشكر الناس لم يشكر الله”(1) .
استحباب عمل المولد كل يوم اثنين:
وإذا كان الاحتفال السنوي وتوقيته يستند في المشروعية إلى حديث صوم عاشوراء؛ لأن كلاً منهما شكر لله على نعمة عظيمة، فإن الاحتفال الأسبوعي في يوم الاثنين أظهر وأقوى دليلاً؛ لأن صوم يوم الاثنين عبادة شرعت خصوصاً بمناسبة مولده صلى الله عليه وآله وسلم، كما جاء في الحديث في صحيح مسلم برقم (1162): “سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الاثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت (أو أنزل علي فيه)” وهذا بيان منه صلى الله عليه وآله وسلم لعلة استحباب صومه، وهذه العلة تتحق بكل عبادة يقصد بها شكر الله تعالى على مولده صلى الله عليه وآله وسلم، كما تقدم تفصيل ذلك في التعليق على كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله، والعادات المباحة التي تقترن بذلك لا تحتاج إلى دليل؛ لأن الأصل فيها الإباحة، فإذا أضيف إلى ذلك قصد الفرح به صلى الله عليه وآله وسلم كان أقرب إلى المشروعية، كما سبق في حديث أبي داود ـ عن الدف ـ وتعليق المحدثين عليه، والله تعالى أعلم.

__________
(1) مسند أحمد برقم (7504) ط: مؤسسة الرسالة، وسنن الترمذي برقم (1954)، وقال: حسن صحيح، ط: موسوعة السنة، دار الدعوة وسحنون.
________________________________________
استحباب الاحتفال بيوم الهجرة:
وفي ختام هذه الرسالة لا بد من التذكير بأن الاحتفال بيوم هجرته صلى الله عليه وآله وسلم هو مثل الاحتفال بيوم مولده في المشر
دجيدار احمد حسن
دجيدار احمد حسن
عضو مميز

عدد المساهمات : 221
تاريخ التسجيل : 12/10/2011
العمر : 38
الموقع : جانت

https://www.facebook.com/ahmedhassend

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف  Empty رد: لماذا نحتفل بالمولد النبوي الشريف

مُساهمة من طرف زهرة الزنبق الإثنين مارس 10, 2014 4:07 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
زهرة الزنبق
زهرة الزنبق
الصاعد إلى القمة

عدد المساهمات : 120
تاريخ التسجيل : 13/10/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى