سمــــــــــــــر العجائــــــــــــز

ملئ البيت بالعجائز عجائز أكل منهن الدهر وشرب وكل منهن تقص قصتها المحزنة تارة والمضحكة تارة أخرى والأكثر منها قصص الطفولة وما يرافقها من مسرات وقصص الشباب وما يرافقها من آهات وقصص الشيخوخة التي تعاني منها بالذات ، يتجاذبن أطراف الحديث ومن الفئة والفئة الأخرى يدخل طفل صغير ينادي جدتي جدتي إني جائع وأريد أن أكل وتجيب الجدة بكل حب وحنان أذهب إلى تلك الزاوية واسئل قصعة من تلك القفة تجد فيها قليل من التمر المعجون وقليل من خبز الملة ........آه تمر معجون تنهيدة توحي بمكانها في نفسية كل إنسان (( ترقي )) وربما قد تكون مرت عليها أكثر من شهر ولكنها لم تفقد لذتها ولا تبعث الابتهاج والسرور في نفسية الطفل الذي يسرع إلى الزاوية ويلتهم كل ما في القصعة من تمر وتنادي الجدة أترك لأخيك الذي سيأتي بعدك من المدرسة القرآنية ، وبينما تحدث الجدة طفلها تدخل عجوز لم تكن بين الجمع وقد اشرأب شعرها بالبياض وملامح وجهها الذي امتلأ تجاعيد ومسارات دالة على قدم سنها الذي ينعي وينذر بقرب الموت ، اسمعن أيتها العجائز خبر هذا اليوم خمسة وعشرون رجل وامرأة سيتزوج يوم الخميس القادم ، تتمتم واحدة منهن بكلمات غامضة وتقول كيف يتزوج الرجل الواحد خمسة وعشرون امرأة ، يضحكن بقية العجائز ويقلن في نفس الوقت وكأن القدر سرى في لسان كل واحدة منهن وأمرها بالكلام ، خمسة وعشرون رجل وخمسة وعشرون إمرأة قلن ذلك وقد بدت ملامح السخرية على وجوههن من تلك العجوز التي تقلب الأمور في كثير من الأحيان رأس على عقب وتلفظ بكلمات لا يقبلها العقل البشري ، ولكنهن جهلن ما تفعله الشيخوخة في عقل من بلغ من الكبر عتيا ، وتقول أخرى وقد نالت نصيبامما ناله أهل الجاهلية الأولى بقولها لم نرهذا في أبائنا الأولين والله إن هذا تبذير وتقول أخرى وهي متكئة في إحدى زوايا الغرفة وقد بلغت حفنة من التبغ (( الشمة المحلية )) ولم أدري كيف كان ذلك ،وتقول هذا عار لن أزوج ابني أو أبنتي في هذا العرس الجماعي كيف أرد الدين الذي علي من دعوات صدقاتي اللائي زوجن أولادهن ، وتحلف العجوز بأنه لو تقدم عريس إلى حفيدتي وهو يريد هذا الزواج فإن بقاء ابنتي عانس أحب إلي من أن يلتصق بي هذا العار إلى يوم القيامة وفي ذلك الحين تقوم عجوز منهن وقد تجاوزت الخمسين لماذا كل هذا العناد ولا تردن الخير لبنتاكن ولماذا لا تقبل بهذا الزواج الذي يساعد الشباب في أمور زواجهم ثم ما الأفضل لكن أن يتزوجن بناتكن ويدخلن في عصمة ازواجهن ويكملن نصف دينهن ويرتاح آبائهن من مسؤولية رعايتهن المكلفة والمحافظة عليهن إلا أن يقضي الله ما هو قاض ، لا أدري كيف تفكرن هذا التفكير والذي إن كان دال على شيء فإنه يدل على غبائكن وأنانيتكن وجهلكن الذي أعمى بصيرتكن عن التفكير الجدي والسليم في مستقبل بناتكن وحب الخير لفلذات أكبادكن وترضين الله فيهن ورسوله الذي ذكر أن المرأة لا يحفظها إلا ثلاث إما أبوها وإما زوجها وإما قبرها ، أما للزوج أن يحفظ أبنتك وقد حفظها أبوها من قبل إلى أن تصل إلى قبرها المحتوم (( سمر العجائز )).


بقلم: الكاتب سنكاني رشيد

هذة القصة التي أحسنت في إختيرها لاتعبر إلا عن معاناة الكثيرين ممن يتسابقون مع الأيام ويسري فيهم دبيب نمل العنوسة التي أخذت تأكل من أعمارهم لا لشئ بل بسبب الأم الجدة الخالة الضرة مجموعة من شجرة العائلة الواقفة كجدار فاصل بين العادة والتعقل لا إسرائيل وفلسطين فإلى الله المشتكى وفي الشباب الأمل