على جنان الصحراء وعبير الذهب

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

في الصحراء كنوز ثمينة ومعادن نفيسة ...

المخطوطات: جمع مخطوط، كتب أووثائق مكتوبة بيد صاحبها، أومن ينوب عنه، كتبت باليد بدل الطباعة، وبقيت على حالها، وهي ماكتبه السلف للخلف، سواء كان كُتب دينية؛ لشرح الدين وتوضحيه وتبيان آثار أصحابه، وذكر شيوخهم، ومناقبهم، ودرجاتهم، وأسفارهم، وكل أحوالهم الدينية، والدنيوية. وتاريخ بلدابهم، وتعاقب أحوالهم وزمانهم، أوكتب تاريخية، أوفلكية، أوجغرافية، أو فلسفية، أو غير ذلك من العلوم.

وعلى كل، فمخطوطات كل أمة، هي الكنـز الدفين بين دفات كتبها تمسح عنه الغبارأجيالها المتواليه؛ للوقوف على أخبارهم ومعرفة أيامهم؛ إذ يعد الإهتمام بالمخطوطات لدى الأمم ضمن إطار الإهتمام بالموروث الثقافي، وكل مامرت به هذه الأمة عبر الأجيال المتعاقبة، وهنا تكمن أهمية ذلك الإهتمام.

ولولا اهتمام الأمم بمخطوطاتها لكان تاريخهم منسيا، ولكانت بعض الكتب الدينية والدنيوية في عدادالنسيان لضياعها، ولكان جهود علمائهم ظل الصباح في المساء، ولو لا اهتمامهم بهذه الوادئع النفيسة التي تركوها أجدادهم، ومن ثَم تحقيقها لكان الجزء الأكثر من ذلك التِبرعشاء الأرضة والغبار والضياع. بل مازال الالآف من كنوزهم هذه يتم البحث عنها في أنحاء العالم لإهميتها. على سبل المثال كتاب (النظم) في اللفظ والمعنى للجاحظ، والذي ذُكر في بعض الكتب كمرجع مهم في هذ الفن ولم يتم العثور عليه حتى الآن، إذ في ذلك العصر احتدم جدل واسع بين أنصار المعنى وأنصاراللفظ وأيهما أصل وأيهما فرع، ويُبحث عن هذا الكتاب بشكل خاص لدى الباحثين لِما للجاحظ من مكانة في أعلام الأدب ومدارس اللغة وكونه حجة في مسالك الكلام وتراكيبها ولِما له من قسط وفير من معرفةٍ للشعرالعربي.

وفي أفريقيا عامة يكاد الاهتمام بالمخطوطات معدوما إلا في شمالها؛ أي المناطق العربية، وهذا الأخير، أي شمال القارة يملك من ذلك الإرث الثمين الآف المؤلفة، البعض تم تحقيقه أما البعض الآخر في طابور الإنتظار، والبعض الآخر في مكتبات العالم الغربي، لتزيين متا حفهم والمتاجرة به، عبر عرضه أمام زائريهم من مختلف الأجناس والأعمار، وربما للاهتمام به.

أما في وسط هذه القارة وفي صحرائها فلم يتم الإهتمام بهذا الكنز مع ماتحتويه المنطقة من ذلك التبر الأصفر المتآكل الآيل للإندثار بسسبب الارضة ، وأنين المرض تحت وطأة النسيان وتقادم الزمن، والتلاعب به، أليست التركة تلك الحلقة الرابطة لسلسلة طوابر الأجيال المتعاقبة، والصلة الوحيدة بين حاضرهم وغائبهم (ماضيهم)، وهي تركة لا كل التركات، وإرث نادر، وكنز نفيس من عبق الأقدمين، تتآلف خطوطها من سير الأولين، وتاريخ حياتهم ومحاطاتهم ووقوفهم في انتظار مايقلهم إلى مراتع العلم تحت وهج الشموس، ومداركهم في شرح مابين سطور دينهم وتبيانه للناس، مع جمال الخط وغرابة تراكيب السطور وتشكيلها على هيئة أشكال هندسية نادرة.

ومن المناطق الأزوادية التي وجد بها هذا الكنرالثمين، وليس الحصر لها:

منطقة مينكة التاريخية
محافظة تينبكتو المشهورة بتراثها الأصيل
قرية وادي الشرف التابعة لمحافظة غاوا
محافظة كيدال.
ومن ضمن أبرز علماء الموسوعات العلمية في إقليم أزواد، الشيخ العتيق بن الشيخ سعد الدين الإدريسي الأزوادي، وهو شيخ الشيوخ الذي تخرج على يديه كثير من العلماء الأفذاذ، وبه يضرب المثل في الصلاح في الصحراء الكبرى " آيير أزواغ" و " أزواد".

ومن مناطق شمال النيجر "آيير أزواغ" التي وجد بها هذا الكنرالثمين، أيضاً نذكر:

منطقة أبلغ
منطقة شينتراضين
محافظة أغديز المشهورة بتراثياتها الأصيلة.
أيضا من أبرز المهتمين بمجال المخطوطات والتراث العربي الإسلامي في إقليم "آيير أزواغ" السيد الأكادمي الشيخ الأستاذ/ محمد أحمد الشفيع، أحد أبرز معالم منطقتي أبلغ وشينتراضين، النائب الأول للمجلس الإسلامي بجمهورية النيجر، والسيد الشيخ الأستاذ/ محمد أحمد الشفيع، الذي كوّن وأسس أكبر مكتبة تراثية إسلامية في مدينة أبلغ، ولكن للأسف الشديد لم تحظ بأي اهتمام من قبل من يهمهم أمر اللغة العربية والمخطوطات العربية الإسلامية سواء من الشخصيات ولا المؤسسات التي تعنى بهذا المجال. ولم تكن هذه مناطق المخططات فقط. ولعل أهم سبب أدى إلى ضياع بعض هذه النفائس وتأخر خروج البعض، عدم الطباعة و النشر لانعزالهم عن مراكز النشر و التوزيع.

ثم ألم تكن تلك البسيطة الجرداء ( الصحراء الكبرى) القاحلة التي تصرخ بضجيجها الصامت النهج الوحيد الذي عبره الفاتحون المسلمون إلى تخوم وأدغال إفريقيا لنشر الإسلام ولغة القرآن ، ألم تكن تينبكتو تستغيث وتصرخ من شدة ألم المخاض لينجدها من محارمها من يسلخ منها المولود الجديد من الجسم القديم قبل الرحيل، بعد مانأت به عن الأعين لأبعد ما أوصلتها قدماها، في قحاف الرمال بعيدا عن أعين الإنس وبلل البحار، ولازالت تحت وجع الأنين، ولازال الحبر يسيل تحت سطوة الزمان، وبوردة دم الرجال والجيران، ألاتضم بيديها ورجليها نَفس الرجال، وأخبارالبلدان، وصولات الفرسان في ساحات الميدان لأنبل الرجال، في حين تُجاز ضربا بسوط الخذلان وعلى لسانها أهكذ جزاء الإحسان ياأحفاد الرمال والشعاب والجبال. ولكأن بلسانها يقول الشاعر: مابالنايمضي الزمان ولم ٭٭ نعد على أمجادنا يوما نتحسر لكنها كأي أم، برحابة صدرها وحنانها، وصبر على وخزات غيرة أصابت كبدها، وأرقت مضجعها لَماتُركت في أطلال التحقيق والتمحيص والإهتمام، مع ذلك بقيت صابرة حامدة عطاء الله لها الرمال والجبال والصحراء برقة الأم تنتظر من ينفخ وينفض عنها التراب ويمسحها بطرف عمامته المتدلي، إذ ماعساها إلا الصبر والتبحلق في الفراغ كونه حيلة الضعيف والمنبوذ المتروك في الطلول. أما ذلك العويل الموجع الصادر من حنجرة تين بكتو جراء غيظ يغص حلقومها، يجر ردائه على كل بيت في الصحراء حتى يكاد لا يخلو بيت من متحف يغط في سبات عميق استحياءا، في خبايا أزوية تنسب إلى البيوت ولاتكنها، بيوت في العين والقوة، بيوت تدغدغها عتات الرياح من كل جهة، تغزوها الشمس مدعومة بقسوة الزمان، يلقح أهلها طوعا أوكرها بأنواع من سموم أثداء المكان، ضمانا من الشتات والجهل والعداء. ماعساها سوى استعطاف لأبناء يَحْبُون متى يقفون ثم يعدون بالرحيل في متاهات الأفاق وحين للعلوى يرتقون يرمون بعين تنظر بنصف الشق وتمد وعدا بالشوق.

أحمد خميس نوح / كاتب صحفي